الفرح العربي الساذج بزيارة السيد الرئيس بقلم الاستاذ الدكتور علي حسين يوسف يعيدنا مشهد يوم أمس إلى مشاهد قديمة، حيث يُستقبل المستعمر بالأهازيج ويُصفق للمحتل إذا ما ابتسم وألقى وعودا لا تنفذ. ترامب، العائد من أبواب التاريخ المكسورة، لا يُخفي نزعته التجارية الفجّة، ولا يسعى لستر فلسفته: أمريكا أولاً، والباقون: أدوات أو خصوم. هو تاجر، قبل أن يكون رجل دولة، ينظر للعالم بوصفه صفقة، والشعوب بوصفها أرقاما، والسيادة سلعة قابلة للتفاوض. عاد إلى المسرح السياسي وهو يحمل الحقيبة ذاتها التي تركها على الطاولة قبل أربع سنوات: صفقة القرن، عداء مستعر لإيران، وحلم مهووس بتحطيم الخصوم إن لم يركعوا. منذ لحظة عودته، لا يحتاج المرء إلى عدسة فاحصة ليرى خط سيره: مشاركة فاعلة لإبادة (ح م اس) ترويج لإنهاء الحرب الأوكرانية بإرغام بوتن وزيلينسكي، نوبات غضب تجاه الصين، وتهديدات تخرج من فمه مثل طلقات عشوائية. كل هذا لا يُقابله أي اهتمام يُذكر بما يحدث في ليبيا، أو السودان، أوالصومال أو اليمن الجائع، أو سوريا المنكوبة، إلا حين تتقاطع هذه الملفات مع مكسب محتمل أو مشهدية بطولية يتصدر بها الشاشات. ويوم أمس، تَكرّر المشهد العبثي: طائرات سعودية تحمي قدومه، اتفاق ضمني مع الحوثيين يضمن له ممرا آمنا، استقبال ملوكي، زينة وضحك، وكأن الخير قادم مع وصول السيد الرئيس. حين تكلم، لم يقل شيئا. أو لنقل: قال كثيراً من اللاشيء. خطب طويلاً، تحدث عن نفسه أكثر مما تحدث عن مضيفيه، كرر عبارة (لو كنت أنا الرئيس) كأنها نشيد انتخابي، سخر من بايدن، هدد العالم، واحتفى بذاته. الجمهور صفق، والعربُ هزت رؤوسها، وحين أعلن (منجزاته) ، بدا كأنه يمنّ على البشرية، بأنه رفع الحصار الرمزي عن سوريا بناءً على طلب من ولي العهد، في حين لم يكن الحصار إلا واجهة مجازية لحصار أكبر تقوده أمريكا على شعوب بأكملها، اقتصادا ومعنى. ثم بان الخبر المربح : صفقة بمبلغ ٦٠٠ مليار دولار استثمار سعودي جديد، طبعا ليس في التعليم أو الصحة أو البنية التحتية بل في القطاع العسكري، لتكديس السلاح تحت لافتة الحماية. ويا لسخرية القدر! هو الذي ادعى مرارا أنه مع السلام ضد الحرب وأنه ضد سباق التسلح، وأن على أمريكا أن تتوقف عن لعب دور الشرطي العالمي، الآن يشرف بنفسه على صفقة تسليح ضخمة، لا هدف لها سوى إحكام السيطرة وتهيئة المسرح لقيادة سعودية للمنطقة برعاية أمريكية. كل ذلك وسط تصفيق مفرط وابتسامات لا تنقطع، كأن الحضور لا يدري أن السيد الرئيس لا ينظر إليهم كأصدقاء، بل كخزينة مفتوحة ومسرح جاهز لخطابه الانتخابي وسب الآخرين. وهكذا، يثبت من جديد أن السياسة الأمريكية الترامبية، لا تأتي بالعسل، بل بالصفقات، وأن الاستقبال الحافل ليس دليل قوة، بل إعلان ضعف واستسلام، وهكذا حين يُصفق للمستبد لأنه ابتسم.