مسلسل الجنة والنار، مغايرة فنية أم عودة للواقعية المفرطة ( بقلم الدكتور علي حسين يوسف سكرتير تحرير وكالة انعكاس نيوز الاخباريه ****) ما أن عُرض مسلسل (الجنة والنار) حتى أصبح حديث الشارع العراقي. لقد شاهدنا قبل هذا المسلسل أعمالا فنية حاولت أن تجسد الحياة الشعبية العراقية لا سيما حياة الريف لكن أغلبها وقع في حبائل التصنع والتعسف إلى درجة تشويه شخصية ابناء الريف وتصويرهم بالسذاجة والبلاهة. أما مسلسل (الجنة والنار) يبدو أن القائمين عليه انتبهوا لهذه الأخطاء فلم يقعوا فيها مما جعل من المسلسل مدعاة اعجاب،بعد أن أثار جدلاً واسعا بين النقاد والجمهور . اعتبره كثيرون نقطة تحول في الدراما العراقية من جهة عدد الممثلين ومكان العمل وفنيات الانتاج، فعل المخرج مصطفى الركابي خيرا حين عمد إلى تصوير أحداث المسلسل في بيئة الأحداث الحقيقية في محافظة ذي قار، بمشاركة ١٦٤ ممثلا فيهم وجوه جديدة بعيدا عن ممثلي العاصمة وهو أمر نادر . الجديد في المسلسل هو توظيف اللهجة الجنوبية بشكل أصيل وعفوي وبدون تعسف أو تصنع أو مبالغة بحيث يمكن القول أن لغة الممثلين وأفعالهم كانت واقعية أكثر من الواقع نفسه. الفكرة الأساسية تتمحور حول الصراع الأبدي بين الخير والشر العم يعود إلى المنطقة بعد وفاة أخيه ليزرع الفتنة في عائلته. وتبدأ الصراعات لتتمثل بمشاهد العركات العشائرية والقتل والعداوات الشخصية. الأبطال يتحدثون بعفوية تامة وبصدق يكاد ينسيهم أنهم يمثلون أدوارا، يضحكون ببراءة مفرطة، ويبكون بحرقة ولوعة، يقسمون بالله وعلي والحسين والعباس، يستعملون اللهجة العامية بأمانة، حتى يظن المشاهد أن هناك توجيهات عامة يدورون حولها ولا يوجد نص يلتزمون به. وربما يتصور المشاهد أيضا أن أحداث المسلسل حقيقية يعود بعضها إلى حقب معينة من تاريخ العراق لفرط الواقعية التي التزم بها الممثلون في الأداء. (الجنة والنار) يمثل تجربة فريدة تعكس التوجه نحو الواقعية في الدراما العراقية، وهو خطوة مهمة نحو تطوير صناعة الدراما في العراق. من خلال تقديم شخصيات حقيقية وقصص مؤثرة تعبر عن المجتمع، يُمكن لهذا العمل أن يكون بداية لعصر جديد للتمثبل العراقي ، حيث ينتهج الفنانون التعبير عن قضاياهم وهمومهم بصدق وواقعية، مما يعزز من تفاعل الجمهور مع هذه الأعمال ويشجع على الإنتاج الفني المبتكر في المستقبل. لا يمكن تقييم المسلسل بسهولة لضخامته وتشعب مفصلياته لكن يمكن القول بثقة أنه عمل فني مغاير، وحسب القائمين عليه أنهم أبدعوا في تجسيد صورة العراقي كما هي عليه في الواقع.